سورة الإنسان - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإنسان)


        


قرأ نافع وحمزة وأبان عن عاصم: {عاليهم} على الرفع بالابتداء وهي قراءة الأعرج وأبي جعفر وشيبة وابن محيصن وابن عباس بخلاف عنه، وقرأ الباقون وعاصم {عاليَهم} بالنصب على الحال، والعامل فيه {لقاهم} [الإنسان: 11] أو {جزاهم} [الإنسان: 12]، وهي قراءة عمر بن الخطاب وابن عباس والحسن ومجاهد والجحدري وأهل مكة، وقرأ الأعمش وطلحة: {عاليتهم}، وكذلك هي في مصحف عبد الله، وقرأ أيضاً الأعمش {عاليَتهم} بالنصب على الحال، وقد يجوز في النصب في القراءتين أن يكون على الظرف لأنه بمعنى فوقهم، وقرأت عائشة رضي الله عنها {علتهم} بتاء فعل ماض، وقرأ مجاهد وقتادة وابن سيرين وأبو حيوة {عليهم} والسندس: رقيق الديباج والمرتفع منه، وقيل السندس: الحرير الأخضر، والاستبرق والدمقس هو الأبيض، والأرجوان هو الأحمر، وقرأ حمزة والكسائي {خضر واستبرقٍ} بالكسر فيهما وهي قراءة الأعمش وطلحة، ورويت عن الحسن وابن عمر بخلاف عنه على أن {خضر} نعت للسندس، وجائز جمع صفة الجنس إذا كان اسماً مفرداً كما قالوا: أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم الأبيض، وفي هذا قبح، والعرب تفرد اسم الجنس وهو جمع أحياناً فيقولون: حصى أبيض، وفي القرآن {الشجر الأخضر} [يس: 80] و{نخل منقعر} [القمر: 20] فكيف بأن لا يفرد هذا الذي هو صفة لواحد في معنى جمع {واستبرق} في هذه القراءة عطف على {سندس}، وقرأ نافع وحفص عن عاصم والحسن وعيسى {خضرٌ واستبرقٌ} بالرفع فيهما، {خضرٌ} نعت ل {ثياب} و{استبرق} عطف على الثياب. وقرأ أبو عمرو وابن عامر {خضرٌ} بالفع صفة ل {ثياب}، {واستبرق} خفضاً، عطف على {سندس}، وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر {خضرٍ} خفضاً {وإستبرقٌ} رفعاً فخفش {خضرٍ} على ما تقدم أولاً، {واستبرقٌ} على الثياب. والاستبراق غليظ الديباج، وقرأ ابن محيصن: {واستبرقَ} موصولة الألف مفتوحة القاف كأنه مثال الماضي من برق واستبرق وتجب واستعجب. قال أبو حاتم: لا يجوز، والصواب أنه اسم جنس لا ينبغي أن يحمل ضميراً، ويؤيد ذلك دخول اللام المعرفة عليه والصواب فيه الألف وإجراؤه على قراءة الجماعة، وقرأ أبو حيوة {عليهم ثيابٌ} بالرفع {سندسٌ خضرٌ واستبرقٌ} رفعاً في الثلاثة، وقوله تعالى: {وحلوا} أي جعل لهم حلي، و{أساور} جمع أسورة وأسورة جمع سوار وهي من حلي الذراع، وقوله تعالى: {شراباً طهوراً} قال أبو قلابة والنخعي معناه لا يصير بولاً بل يكون رشحاً من الأبدان أطيب من المسك، وهنا محذوف يقتضيه القول تقديره يقول الله لهم والملائكة عنه: {إن هذا كان لكم جزاء} الآية، وقوله تعالى: {إنا نحن نزلنا} الآية تثبيت لمحمد عليه السلام وتقوية لنفسه على أفعال قريش وأقوالهم وحكم ربه وهو أن يبلغ ويكافح ويتحمل المشقة ويصبر على الأذى ليعذر الله إليهم، وقوله تعالى: {آثماً أو كفوراً} هو تخيير في أن يعرف الذي ينبغي أن لا يطيعه بأي وصف كان من هذين لأن كل واحد منهم فهو آثم وهو كفور، ولم تكن الأمة حينئذ من الكثرة بحيث يقع الإثم على العاصي.
قال القاضي أبو محمد: واللفظ أيضاً يقتضي نهي الإمام عن طاعة آثم من العصاة أو كفور من المشركين، وقال أبو عبيدة: {أو} بمعنى الواو وليس في هذا تخيير، ثم أمره تعالى بذكر ربه دأباً {بكرة وأصيلاً} ومن الليل بالسجود والتسبيح الذي هو الصلاة، ويحتمل أن يريد قول سبحان الله، وذهب قوم من أهل العلم إلى أن هذه الآية إشارة إلى الصلوات الخمس منهم ابن حبيب وغيره، فالبكرة: صلاة الصبح، والأصيل: الظهر والعصر {ومن الليل}: المغرب والعشاء، وقال ابن زيد وغيره كان هذا فرضاً ونسخ فلا فرض إلى الخمس، وقال قوم هو محكوم على وجه الندب.


الإشارة ب {هؤلاء} إلى كفار قريش، و{العاجلة} الدنيا وحبهم لها، لأنهم لا يعتقدون غيرها، {ويذرون وراءهم} معناه فيما يأتي من الزمن بعد موتهم، وقال لبيد: [الطويل]
أليس ورائي إن تراخت منيتي *** أدب مع الولدان إن خف كالنسر
ووصف اليوم بالثقل على جهة النسب، أي: ذا ثقل من حيث الثقل فيه على الكفار، فهو كليل نائم، ثم عدد النعم على عباده في خلقهم وإيجادهم وإتقان بنيتهم وشدِّ خلقتهم، والأسر: الخلقة واتساع الأعضاء والمفاصل، وقد قال أبو هريرة والحسن والربيع الأسر: المفاصل والأوصال، وقال بعضهم الأسر: القوة: ومنه قل الشاعر: [الوافر]
فأنجاه غداة الموت مني *** شديد الأسر عض على اللجام
وقول آخر [الأخطل]: [الكامل]
من كل محتدب شديد أسره *** سلس القياد تخاله مختالا
قال الطبري ومنه قول العامة: خذه بأسره يريدون خذه كله.
قال القاضي أبو محمد: وأصل هذا في ما له شد ورباط كالعظم ونحوه، وليس هذا مما يختص بالعامة بل هو من فصيح كلام العرب. اللهم إلا أن يريد بالعامة جمهور العرب ومن اللفظة الإسار وهو القيد الذي يشد به الأسير، ثم توعد تعالى بالتبديل واجتمع من القولين تعديد النعمة والوعيد بالتبدل احتجاجاً على منكري البعث، أي من هذا الإيجاد والتبديل إذا شاء في قدرته، فكيف تتعذر عليه الإعادة، وقوله تعالى: {إن هذه تذكرة} يحتمل أن يشير إلى هذه الآية أو إلى السورة بأسرها أو إلى الشريعة بجملتها وقوله تعالى: {فمن شاء اتخذ} ليس على جهة التخيير بل فيه قرينة التحذير، والحض على اتخاذ السبيل، والسبيل هنا: ليس النجاة، وقوله تعالى: {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله} نفي لقدرتهم على الاختراع وإيجاد المعاني في نفوسهم، ولا يرد هذا وجود ما لهم من الاكتساب والميل إلى الكفر.
وقرأ عبد الله {وما تشاؤون إلا ما شاء الله} وقرأ يحيى بن وثاب {تِشاؤون} بكسر التاء. وقوله تعالى: {عليماً حكيماً} معناه يعلم ما ينبغي أن ييسر عبده إليه، وفي ذلك حكمة لا يعلمها إلا هو {والظالمين} نصب بإضمار فعل تقديره ويعذب الظالمين أعد لهم، وفي قراءة ابن مسعود {وللظالمين أعد لهم} بتكرير اللام، وقرأ جمهور السبعة {وما تشاؤون} بالتاء على المخاطبة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {يشاؤون} بالياء، وقأ ابن الزبير وأبان بن عثمان وبان أبي عبلة {والظالمون} بالرفع، قال أبو الفتح: وذلك على ارتجال جملة مستأنفة. انتهى.
نجز تفسير سورة {الإنسان} بحمد الله وعونه.

1 | 2